مجزرة قانا الثانية 2006
لبنان
كانوا قد دخلوا في اليوم التاسع عشر من الحرب. في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. ثلاثة وستون من عائلتي شلهوب وهاشم في قانا، جلهم أطفال. تخيل كم كانت ليلتهم بائسة! اصطحبوا معهم إلى الملجأ قليلا من الألعاب. الكبار كانوا يضيقون بفوضى الأطفال المحشورين بزنزانة تحولت إلى قبر لاحقا. لكنهم كانوا يكظمون غيظهم علّ أيام السجن والحرب تنتهي ويعود الأطفال إلى سابق عهدهم في بيوت الفلاحين الواسعة. تناول الأطفال طعام العشاء. وتناول الرضع حليبهم. في منتصف الليل وجد محدثي إبراهيم شلهوب فرصة لتناول الشاي مع ابن عمه. فشاركه بالصاروخ بدلا من كوب الشاي، وفقد ابن عمه عائلته كاملة، الزوجة والأطفال.
كل طفل من الأطفال السبعة والثلاثين الذين قضوا كانت له قصة. اختصرت في مشهد دامٍ. عندما وصلت لمكان المجزرة شعرت كم هو رخيص الدم العربي والمسلم. من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين وأخيرا لبنان. حتى قيمة الجثث لا تزيد – حقيقة– على ألف وخمسمائة دولار تعويضا عن القتيل، هذا عندما يدفع الأميركيون تعويضات. أما الإسرائيليون فلا يدفعون ابتداء.
كنت أنظر إلى كل طفل يخرج من بين الركام وأتذكر أطفالي. كم هي بشعة المجزرة وكم هو بشع الإعلام. تحولت جثث الأطفال المقدسة إلى ما يشبه عرض الأزياء. تتراكم الكاميرات حولها، وتتسابق لأخذ اللقطات لها، كانوا بملابس النوم. وخرجوا من الأنقاض وكأنهم نيام. صورة ملائكية، المجزرة كثفت براءتهم. في غضون انتشال الجثث لم يكف الطيران الإسرائيلي عن التحليق. هل عجز هذا الطيران الذي يراقب كل شبر في لبنان عن اكتشاف ملجأ يؤوي عوائل عزلا؟! كيف سيكتشف إذن مخابئ الصواريخ؟
ثماني ساعات فصلت بين وصولنا نحن والصليب الأحمر وبين وقوع المجزرة. فالمنطقة مقطعة الأوصال بحجة قطع الإمدادات عن عناصر حزب الله. ولا تجد شارعا في الجنوب لم يتعرض لقصف. ومن يغامر بسلوك الطرق المدمرة لا يأمن غارات الطائرات التي تستهدف – في كثير من المناطق– كل ما يتحرك.
عندما قدمت الخبر للمشاهدين باعتباره قانا الثانية، كانت قد وصلتني معلومات أولية صباحا. المصدر قال إن الشهداء نحو عشرين. قلت إن في كل يوم قانا مصغرة. مجازر بالتقسيط لا دفعة واحدة. عندما وصلت كانت الفاجعة فوق الوصف. شاهدت بالصور صبرا وشاتيلا وقانا الأولى، وقرأنا عن دير ياسين وغيرها، لم أكن أتوقع أن جيلي سيواصل توثيق المجازر.
لن تكون المجزرة الأخيرة، لسبب بسيط. ليس لأن المجرمين لا يعاقبون. بل لأنهم يكافؤون. شارون الذي كادت أن تحاكمه محكمة بلجيكية ووبخته لجنة التحقيق الإسرائيلية في مجزرة صبرا وشاتيلا يصلي العالم "المتحضر" في سبيل إيقاظه من غيبوبته. وقبل أن يدخلها كان يعامل بطل سلام. بيريز صاحب "الشرق الأوسط الجديد" هو بطل قانا. وأولمرت سيكافأ على مجزرته ولن يعاقب.
العالم العربي والإسلامي قيد الانفجار، ليس مظاهرات وصخبا، وهو إن انفجر، فسيترحم العالم على الحادي عشر من سبتمبر. من مصلحة العالم ألا يحدث الانفجار. من مصلحة العالم أن لا يكافَأ المجرم، أما معاقبته فتلك مهمة يتكفل بها العرب والمسلمون أنفسهم
مجزرة قانا الثانية 2006
لبنان
كانوا قد دخلوا في اليوم التاسع عشر من الحرب. في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. ثلاثة وستون من عائلتي شلهوب وهاشم في قانا، جلهم أطفال. تخيل كم كانت ليلتهم بائسة! اصطحبوا معهم إلى الملجأ قليلا من الألعاب. الكبار كانوا يضيقون بفوضى الأطفال المحشورين بزنزانة تحولت إلى قبر لاحقا. لكنهم كانوا يكظمون غيظهم علّ أيام السجن والحرب تنتهي ويعود الأطفال إلى سابق عهدهم في بيوت الفلاحين الواسعة. تناول الأطفال طعام العشاء. وتناول الرضع حليبهم. في منتصف الليل وجد محدثي إبراهيم شلهوب فرصة لتناول الشاي مع ابن عمه. فشاركه بالصاروخ بدلا من كوب الشاي، وفقد ابن عمه عائلته كاملة، الزوجة والأطفال.
كل طفل من الأطفال السبعة والثلاثين الذين قضوا كانت له قصة. اختصرت في مشهد دامٍ. عندما وصلت لمكان المجزرة شعرت كم هو رخيص الدم العربي والمسلم. من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين وأخيرا لبنان. حتى قيمة الجثث لا تزيد – حقيقة– على ألف وخمسمائة دولار تعويضا عن القتيل، هذا عندما يدفع الأميركيون تعويضات. أما الإسرائيليون فلا يدفعون ابتداء.
كنت أنظر إلى كل طفل يخرج من بين الركام وأتذكر أطفالي. كم هي بشعة المجزرة وكم هو بشع الإعلام. تحولت جثث الأطفال المقدسة إلى ما يشبه عرض الأزياء. تتراكم الكاميرات حولها، وتتسابق لأخذ اللقطات لها، كانوا بملابس النوم. وخرجوا من الأنقاض وكأنهم نيام. صورة ملائكية، المجزرة كثفت براءتهم. في غضون انتشال الجثث لم يكف الطيران الإسرائيلي عن التحليق. هل عجز هذا الطيران الذي يراقب كل شبر في لبنان عن اكتشاف ملجأ يؤوي عوائل عزلا؟! كيف سيكتشف إذن مخابئ الصواريخ؟
ثماني ساعات فصلت بين وصولنا نحن والصليب الأحمر وبين وقوع المجزرة. فالمنطقة مقطعة الأوصال بحجة قطع الإمدادات عن عناصر حزب الله. ولا تجد شارعا في الجنوب لم يتعرض لقصف. ومن يغامر بسلوك الطرق المدمرة لا يأمن غارات الطائرات التي تستهدف – في كثير من المناطق– كل ما يتحرك.
عندما قدمت الخبر للمشاهدين باعتباره قانا الثانية، كانت قد وصلتني معلومات أولية صباحا. المصدر قال إن الشهداء نحو عشرين. قلت إن في كل يوم قانا مصغرة. مجازر بالتقسيط لا دفعة واحدة. عندما وصلت كانت الفاجعة فوق الوصف. شاهدت بالصور صبرا وشاتيلا وقانا الأولى، وقرأنا عن دير ياسين وغيرها، لم أكن أتوقع أن جيلي سيواصل توثيق المجازر.
لن تكون المجزرة الأخيرة، لسبب بسيط. ليس لأن المجرمين لا يعاقبون. بل لأنهم يكافؤون. شارون الذي كادت أن تحاكمه محكمة بلجيكية ووبخته لجنة التحقيق الإسرائيلية في مجزرة صبرا وشاتيلا يصلي العالم "المتحضر" في سبيل إيقاظه من غيبوبته. وقبل أن يدخلها كان يعامل بطل سلام. بيريز صاحب "الشرق الأوسط الجديد" هو بطل قانا. وأولمرت سيكافأ على مجزرته ولن يعاقب.
العالم العربي والإسلامي قيد الانفجار، ليس مظاهرات وصخبا، وهو إن انفجر، فسيترحم العالم على الحادي عشر من سبتمبر. من مصلحة العالم ألا يحدث الانفجار. من مصلحة العالم أن لا يكافَأ المجرم، أما معاقبته فتلك مهمة يتكفل بها العرب والمسلمون أنفسهم
مجزرة قانا الثانية 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق