تل الزعتر- لبنان

تل الزعتر- لبنان
1976
لم يكن حافظ الأسد سفاحاً للشعب السوري فقط ، بل وصل إرهابـه للشعب اللبناني والفلسطيني ، وقتل من الفلسطينين في (تل الزعتر ) أضعاف ماقتله الصهاينة ، واحتل لبنان ليعيث فيها الفساد كما فعل في سوريا .وليتخذ ضباطه من الساحل اللبناني موانئ لبواخرهم التي تنقل المخدرات من منطقة الشرق الأوسط إلى أوربا .
كانت لبنان الرئة الاحتياطية للمواطن السوري ، يتنفس منها عندما تحاول السلطة السورية خنقه ، فالسفر إلى لبنان بالبطاقة الشخصية ، وحالما يشعر المواطن السوري بزوار آخر الليل ( المخابرات ) اقتربوا من بيته ، يهرب من البيت ، وفي الصباح يستطيع السفر إلى لبنان ، ومن هناك إلى أي بلد في العالم . وأدرك حافظ الأسد أنه لن يستطيع إذلال الشعب السوري وتجويعه وترويضه ؛ إلا إذا سيطر على لبنان ، لذلك بدأ يتدخل في السياسة الطائفية اللبنانية ، من أجل السيطرة على لبنـان لإحكام السيطرة على الشعب السوري ، وإذلاله وتحقيق ما تريده إسرائيل .
ثم دخل لبنان تحت مظلة ( قوات الردع ) وصار يقف إلى جانب فئة ليقتل فئة أخرى ، فوقف مع النصارى الصليبيين ضد الفلسطينيين :[ ففي 28/ 9/1973م ألقى بيار الجميل زعيم حزب الكتائب بياناً في المؤتمر السنوي السادس للكتائب قال فيه : إننا نلاحظ بفرح وأمل أن الإخوان السوريين ( يقصد النظام السوري ) ؛ يبدون في هذه الأيام انفتاحاٌ مهماً على ماكانوا يعتبرونه انعزالية ورجعية في تفكيرنا ) . وفي 10/9/ 1974م تم عقد لقاء بين ممثلين عن الكتائب ووفد سوري برئاسة عاصم قانصوه ـ رئيس البعث الأسدي في لبنان ـ وعلق بيار الجميل فقال : قانصوه صديق قديم ؛ نتعاون معه دائماً لتقريب وجهات النظر بين حزبينا ) . وفي 7/12/ 1975 زار بيار الجميل دمشق واستقبل فيها كالرؤساء ، وفي نهاية الزيارة صرح قائلاً : يوجه حزب الكتائب تحية الشكر والإكبار للرئيس حافظ الأسد ، ويعتبر الحزب أن هذه الزيارة تكمل ما بدئ به منذ سنتين ، على صعيد توطيد العلاقات مع الشقيقة سوريا ، وبعد ذلك يصرح عاصم قانصوه : إن حزب الكتائب أكثر وطنية من بعض الفئات التي تدعي ذلك . ( انظر كتاب محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي ـ وقد نقل عن الصحف اللبنانية مثل صحيفة الأنوار) . ولهذا كان دخول الجيش السوري إلى لبنان إنقاذاً للموارنة من هزيمة مؤكدة ، وقد نشرت الأخبار القاهرية في 16/6/ 1976م قول كميل شمعون : لقد اتفقنا مع سوريا على خطط ترضينا . ثم وصل كميل شمعون إلى دمشق في 9/8/1976م وصرح يقول : أنه يثق ثقة كاملة بالرئيس حافظ الأسد ، وأن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض السلام في لبنان .
ونفذ مجزرة ( تل الزعتر) التي قتل فيها ألوف الفلسطينيين ، بعد أن قطع عن الحي الماء والكهرباء والطعام عدة أيام، مماجعل بعض الأهالي كما قيل يأكلون الكلاب خوفاً من الموت جوعاً .
ثم وقف مع الدروز ليقتل النصارى ، ومرة أخرى وقف مع جماعة أمل الشيعية ليقتل الدروز ، ثم وقف مع العلويين والشيوعيين ليقتل المسلمين السنة في طرابلس ، وهكذا يتضح أن مهمته في لبنان هي القتل ، ولم ينج من رصاصه أحـد ، أما الشيعة من جماعة أمل وحزب الله فقد كواهم بناره أكثر من مـرة .

موافقــة الولايات المتحدة وإســرائيل
لكن كيف يدخل لبنان ، ويتصرف فيه حسب مصالحه الشخصية والطائفية والعشائرية ؟ لابد من موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل ، وقد استطاع حافظ الأسد أن يحصل على هذه الموافقة ؛ عندما تعهد بتصفية المقاومــة الفلسطينية واللبنانية ، فقد نشـرت صحيفــة الجماهير الأســترالية أنه في يوم (12/4/ 1976م ) اجتمع في جونية كل من رفعت الأسد و(دين براون ) مبعوث الرئيس الأمريكي وعدد من قادة اليمين اللبناني ( الكتائب وأمثالها) واتفق المجتمعون على :
1ــ دعم ومساندة النظام السوري ، والسماح للمخابرات الأمريكية بتواجد أكبر في دمشق لكشف المخططات المعادية للنظام .
2 ـــ إضفاء صفة المشروعية على الوجود السوري في لبنان .
3ــ التمديد الدوري لقوات الطوارئ الدولية في الجولان .
4ــ تضع سوريا المقاومة اللبنانية تحت سلطانها ، وتضرب اليسار في الداخل والخارج .
5ــ تتعهد الولايات المتحدة بعدم تحرك إسرائيل على الجبهة السورية .
وفي ( 21/ 1 /1976م ) تحدث ناطق رسمي باسم البيت الأبيض قال إن الرئيس فورد تخلى عن معارضته لتدخل عسكري خارجي في لبنان ، وإن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها ، أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومآرب سوريا ونواياها .
وفي( 29 / 1 /1976م )تحدث ناطق رسمي باسم الخارجية الأمريكية قائلاً إن الولايات المتحدة تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سوريا ، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية .
وفي ( 27 / 1 /1976م ) نقلت وكالة اليونايتد برس من واشنطن بأنها كانت تقوم بنقل الرسائل من الكيان الصهيوني إلى سوريا ، حول الوضع في الجنوب اللبناني ، وقال (فريدريك براون) إننا على اتصال مع حكومات إسرائيل وسوريا ولبنان ، وإننا نراقب الوضع عن كثب ، واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن اتصالات من هذا النوع قد جرت ، وأوضحت أن سوريا أكدت لمسؤولين أمريكيين أن وجود قواتها في الجنوب إنما يستهدف المقاومة واليساريين اللبنانيين . ولهذا وقف اليهود والأمريكان إلى جانب التدخل السوري في لبنـــان .
ونقلت رويتر في (15 / 4 /1976م ) قول كيسنجر إن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان ، وإننا شجعنا البادرة السورية هناك ، وإن الوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية .
ونقلت الشرق الأوسط في ( 18 / 8 /1977م ) في تعليق لها على اجتماع الأسد بكارتر في جنيف تقول :
إن عملية إخضاع المقاومــة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ، كانت جزءاً من استراتيجية كبيرة ، لإضعاف المقاومة ومعارضي التسوية ، وقدم كارتر للأسد مكافأته بالاستجابة إلى طلبه والاجتمــاع به في جنيــف بدلاً من واشنطن ، كما كان يفعل مع غيره من الرؤساء العرب .
وصرح موشي دايان لوكالة الصحافة الفرنسية في ( 5 / 6 /1976م ) قائلاً إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب ، حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر ، لأن غزو القوات السورية للبنان ، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل.
ونقلت إذاعة إسرائيل عند بداية التدخل السوري في لبنان تصريحاً لرئيس وزراء إسرائيل (إسحق رابين ) قال : إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان ، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين ، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم دعم للفلسطينيين ، ويجب علينا أن لانزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا .
ونشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العدد ( 12)تاريخ (30/ 6/1980م ) عن صحيفة ها آرس الصهيونية مايلي :
يتوقع رئيس شعبة الاستخبارات الصهيونية اللواء (يهو شاع ساغي )، تصعيداً في عمليات المقاومة من الأردن ، لأنهم يواجهون مصاعب في لبنان ، ولأن الجولان مغلقة أمامهم ، وإن أخطار نشوب حرب في العام القادم ضئيلة ، إلا في حال حدوث تغيرات مفاجئة مثل انقلاب في سوريا ، أو تدهور الوضع في لبنان .( انظر محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي ) .

عمليات جيـش الأسـد في لبنـان
هب المســلمون صفاً واحداً بعد مجزرة ( الكارنتينا ) التي دبرها حزب الكتائب ضد المسلمين ، وانضم المسلمون يقاتلون في إطار منظمة التحرير أو الحركة الوطنية أو جيش لبنان العربي ، وتمكنت القوات الوطنية من احتلال شتورا ، وزحلة ، وزغرتا ، والدامور ، والسعديات ، ودارت الدائرة على الموارنة وسائر الصليبيين ، وأخذت مدفعية جيش لبنان العربي تدك قصر الرئاسة في بعبدا ، فهرب رئيس الجمهورية سليمان فرنجية إلى زغرتا ، وسيطر الجيش العربي على معظم لبنان بقيادة الضابط أحمد الخطيب ، وبات مؤكداً أن الوضع سينتهي لمصلحة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية ، وفي هذا الظرف الحرج تحرك حافظ الأسد لينفذ الأوامر التي صدرت إليه من تل أبيب وواشنطن .

وبمجرد وصول القوات السورية بعد موافقة جامعة الدول العربية التي تكفلت بتغطية نفقات قوات الردع السورية ، تخلت الصاعقة عن منظمة التحرير ، كما تخلى حزب البعث اللبناني عن الحركة الوطنية ، وهكذا شق الأسد المنظمة والحركة منذ اليوم الأول ، كما تخلت أمل الشيعية عن جيش لبنان العربي والحركة الوطنية ، بعد أوامر موسى الصدر لهم ، ووقف الدروز على الحياد يتفرجون على ذبح المسلمين،وهاهي النتائج العسكرية :
1ــ انتصرت القوات السورية انتصاراً ساحقاً على القوات المشتركة في سهل البقاع وعكار والجبل وصيدا ، وفرضت حصاراً في البر والبحر والجو ، ومنعت وصول المؤن والذخائر إلى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية ،واستولت القوات السورية على مواد غذائية أرسلت من الفلسطينين في الخليج إلى القوات المشتركة .
2 ــ تركت القوات السورية ميناء جونية الذي يسيطر عليه حزب الكتائب ، ليتنفس منه الموارنة والصليبيون ، والتجار من الضباط السوريين الكبار .
3 ــ طارد الجيش السوري كل معارض سوري أو لبناني، واعتقله أو قتله إن لم يتمكن من الفــرار .
4 ــ ساهمت القوات السورية في حصار تل الزعتر ، بالتعاون مع الكتائب ، وبدأ الحصار في أواخر حزيران ، وسقط المخيم في (14 / 8 / 1976م ) بعد حصار أكثر من شهر ونصف ، ومنعت القوات السورية وصول الطعام والماء والذخيرة إلى المخيم ، كما شاركت في الإعدامات وهتك الأعراض والنهب تحت قيادة العقيد علي مدني [ قائد الشرطة العسكرية ، ومن رجال الحركة التصحيحية 1971م] .
5 ــ فعلت منظمة الصاعقة وقوات الردع السورية الأفاعيل في لبنان من نهب المصارف، والسيارات والمخازن والمستودعات .

قـال الفلسطينيون عن الأســد
يقول كمال جنبلاط في كتابه ( هذه وصيتي ) في الصفحة ( 105) : نقل عن ياسر عرفات قوله للأسد عند اجتماعه به في (27/3/1976م) إن قلب المقاومة ومستقبلها موجود في لبنان ، وإن إرهاب الجيش السوري والصاعقة لن يفيد ، وإنه يعز علينا أن نصطدم بالجيش السوري ونحن على مرمى مدفعية العدو الصهيوني والأسطول السادس الأمريكي . فكان رد الأسد ( ليس هناك كيان فلسطيني ، وليس هناك شعب فلسطيني ، بل سوريا وأنتم جزء من الشعب السوري ، وفلسطين جزء من سوريا ، وإذن نحن المسؤولون السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني).[ أقول : هذا هو منطق الحزب القومي السوري المنقرض ، والذي يتناقض أساساً مع عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ، والذي يطل برأسـه اليوم ليدخل الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا ] .
ويقول صلاح خلف ( أبو إياد يرحمه الله ) في مجالسه الخاصة أرسل ياسر عرفات اثنتي عشرة رسالة إلى حافظ الأسد يطالبه بفك الحصار المفروض علينا في بيروت ، وعندما لم يتلق جوابـاً أرسل مبعوثاً خاصاً، وبعد أن سلم رسالة عرفات ، وعرض عليه سوء الأوضاع وصلف العدو أجاب الأسـد :
(أنـاأريـد أن تهلـكوا جميعـاً لأنكم أوبــاش)

يقول صلاح خلف ( يرحمه الله ): عندئذ أدركنا تآمر أسد علينا ، وأن له أوثق العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة وحزب الكتائب .
وفي حزيران (1982م) اجتاحت إسرائيل لبنان ، ووصلت إلى بيروت وحاصرت الفلسطينيين،ولم يستطع حافظ الأسد أن يحميه منهم ، وعندما حاول استخدام السلاح الجوي السوري تساقط كالعصافير بالصواريخ الإسرائيلية، وخسرت سوريا معظم طائراتها يومذاك .[ أقول : وسرذلك أن النظام السوري سـرح الطيارين الأكفاء ، وأبعدهم عن سلاح الجو السوري خوفاً منهم ، وترك أزلامه ومؤيديه فقط].
ثم ترسخ الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان ( الحزام الأمني ) ، كما ترسخ الوجود السوري في شمال لبنان ووسطه ، وكانت هناك خطوط حمراء معترف بها سراً بين سوريا وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة . وصارت إسرائيل تقتل اللبنانيين والجيش السوري يتفرج عليهم ، كما في مذبحة ( قــانــا ) عام( 1996م ) ، وقانا تبعد عشرات الكيلومترات عن تمركز القوات السورية في لبنان وعددها قرابة أربعين ألف جندي [حدثني زميل أثق به أدى خدمته العسكرية في الجيش السوري في لبنان يقول : كنا متمركزين في عمارة (غير جاهزة ، على العظم ) بالقرب من البقاع ، وكانت المدفعية الإسرائيلية تقصف المنطقة دوماً ، وتدمر مواقع للفلسطينيين والمقاومة اللبنانية بالقرب من مواقعنا ، ولما امتلأت العمارة التي نسكنها بالأوسـاخ ، وطلب الضباط الصغار أن ننتقل منها إلى عمارة مجاورة أخرى رفض قائد الكتيبة طلبنا ، وبقينا عدة شــهور في هذه العمارة ، وقد امتلأت بالأوساخ ؛ مع وجود عمارات أخرى فارغة ، واستنتجنا فيما بعد أن هذه العمارة محملة عند إسرائيل ؛ على الخرائط العسكرية عندهم ، كي يتحاشونها أثناء القصف المدفعي .
وذات يوم كنا ثلاث دوريات على حدود الحزام الأمني ، دورية سورية ، والثانية فلسطينية ، والثالثة للمقاومة اللبنانية ، وكان على الدوريات أن تمر بفاصل زمني قرابة نصف ساعة بين الدورية والأخرى ، يقول مرت الدورية الفلسطينية ، في سيارة جيب صغيرة ، ومع ذلك قصفها الأسرائيليون وأصابوا السيارة وهرب الفلسطينيون منها ، ثم جاء دورنا بعد نصف سـاعة ، وكررت الشهادتين لأنني أيقنت بالموت عندها ، ومعنا سيارة شاحنة ( زيل ) كبيرة جداً ولها هوائي طويل ويشاهد من مسافات بعيدة ، ولما وصلنا إلى السيارة الفلسطينية المحترقة ترجلنا وأزحنا ها عن الطريق ؛ ثم عدنا إلى سيارتنا الكبيرة ، وتابعنا المسير بسلام ، ولم تطلق علينا إسرائيل أياً من صواريخها ؛ كما أطلقته على الدورية الفلسطينية ، ولما جاء دور دورية المقاومة اللبنانية الذين اطمأنوا نوعاً ما لأن الإسرائيليين لم يقصفونا ، ووصلوا إلى المنعطف الخطير قصفهم الإسرائيليون وأعطبوا سيارتهم ..

ليست هناك تعليقات: